كتالونيا: حربٌ أو حريّة؟

كتالونيا: حربٌ أو حريّة؟

مع بداية شهر أكتوبر من عام ٢٠١٧، تصدّرت كتالونيا الأخبار العالميّة بسبب الإستفتاء التي دعت إليه الحكومة المحليّة لتحديد نسبة السّكان التي تريد الإنفصال عن إسبانيا. لم يمرّ هذا التّصويت مرور الكرام إذ طغت عليه مواجهات عنيفة بين الشّرطة الإسبانيّة والمواطنين الكتالونيّين تلت تصريح المحكمة الدّستوريّة التي أعلنت أن هذا الإستفتاء هو غير شرعي ومن المُحظّر إجراءه. أصرّ الرّئيس الحالي للإقليم كارلس بوتشدمون (Carles Puigdemont) على المضي قدماً بهذا القرار ما أنتج أزمة دستوريّة في البلاد بسبب تعارض هذا الحدث مع القانون الإسباني المُعلن عنه سنة ١٩٧٨ الذي كان أساس في إنشاء دولة إسبانيا الدّيمقراطيّة.

كتالونيا

محاولات الإنفصال التّاريخيّة

يُحاول إقليم كتالونيا تمييز نفسه عن الدّولة الإسبانيّة منذ أواخر القرن الخامس عشر من خلال القوانين والتّقاليد الخاصّة به. بدأت محاولات الإنفصال الجدّية في القرن العشرين مع فرانسيسك ماسيا (Francesc Macia) الذي أسّس حزب "الدّولة الكتالونيّة" (Catalan State) عام ١٩٢٢. عمل ماسيا على تحقيق هدفه بعدما عاد من المنفى في فرنسا وكان القياديّ الأبرز في الحزب الذي عُرف حينها بإسم "اليسار الجمهوري لكتالونيا" (Republican Left of Catalonia) وقد تمكّن من الحصول على حكم ذاتي داخل الإقليم. بقيَ الوضع على حاله حتّى الحرب الأهلية الإسبانيّة سنة ١٩٣٢ التي سبقت وصول الجنرال فرانثيسكو فرانكو (General Francisco Franko) إلى الحكم وقام هذا الأخير بإبطال كل مشاريع إستقلال كتالونيا.

كتالونيا

تحوّلت إسبانيا إلى دولة ديمقراطيّة بعد موت فرانكو واعتمد البلد دستور جديد عارض تحرّر الإقليم لكن أدّى ذلك إلى مواجهة بين الحكومتين نتج عنها إختفاء وتهميش أحزاب سياسيّة داعمة للإستقلال.

إستفتاء أكتوبر ٢٠١٧

كتالونيا

هذا التّصويت هو الثّاني من نوعه في السّنوات الثّلاث الأخيرة إذ نظّمت حكومة كتالونيا إستفتاء في عام ٢٠١٤ طارحةً السّؤال التّالي على شعبها:"هل تريد كتالونيا أن تصبح دولة مستقلّة؟". صوَّت ٨٨% من النّاخبين بنعم لكن لم يحضر أكثر من ٤٢% من المواطنين إلى صناديق الإقتراع ما يدل أن عدد كبير من السّكان يرفضون الإستقلال والإستفتاء. هذا كان تحليل الدّولة الإسبانيّة التي أدانت هذه العمليّة وبقيَ موقفها نفسه في عام ٢٠١٧ لكن إرتبط بها هذه المرّة أعمال عنف ومواجهات بين رجال الشّرطة والشّعب الكتالوني. نتج عن هذه المواجهات أكثر من ٨٥٠ جريح وعدد لا يُستهان به من الموقوفين وكانت حصيلة الإقتراع ٩٢٪ من النّاخبين مؤيّدين للإستقلال و ٨% معارضين لكن بقيت نسبة المشاركة على ٤٢% أيضاً. شهدت مدينة برشلونة بالتّحديد إعتصاماتٍ هائلةٍ في الأيّام التي تَبعت نهار التّصويت ما يُضاعف التّوتّر بين طرفيّ النّزاع اللّذان يتبادلان الإتّهامات.

ردّات الفعل العالميّة

كتالونيا

دانت معظم الدّول أعمال العنف التي وقعت خلال الإستفتاء وبعده لكن لم يُعلِن أي جانب سياسي موقفه من رغبة كتالونيا بالإستقلال عن إسبانيا إذ انقسمت الآراء بين مؤيّد لحريّة الرّأي وحق تقرير المصير من جانب والمصرّون على بقاء الإقليم داخل الدّولة كي تستمر العلاقات المتبادلة من جهة أخرى. من أبرز المواقف التي سُجّلت تنتمي للأمم المتّحدة التي طالبت بوقف التّعدّي على المواطنين أوّلاً والتّوصّل إلى حلٍّ سلميّ بين إسبانيا وكتالونيا ثانياً لكن هذا لا يتضمّن حل للأزمة التي تواجهها المنطقة خاصّةً مع إصرار كل جهة على تطبيق رغبتها رافضةً اللّجوء إلى الحوار السّياسي.

الكاتب: نزار زغيب
المزيد