يُعتبر التغير المناخي من القضايا الطارئة والمُلحة التي شغلت على مدى سنوات طويلة قادة الدول الكبيرة من جهة والرأي العام والخُبراء من الجهة الأخرى. ومن الطبيعي أن يتم اعتبار ظاهرة التغير المناخي ظاهرة بيئية خطرة بسبب المخاطر الكبيرة التي تُسببها. لكن للأسف تُقابل هذه الظاهرة المُقلقة على أكثر من صعيد الكثير من التقاعس الدولي الذي ستكون نتائجه فادحة على البشرية.
كل المعلومات حول التغير المناخي، اسبابه وتأثيراته وما علاقته بالاحتباس الحراري، ما دور المجتمع العالمي في إيقافه .
ماذا نفهم من مُصطلح التغير المناخي ؟
نسمع كثيرًا بمُصطلح التغير المناخي لكن ماذا يعني التغير المناخي؟ إنّ التغير المناخي هو عبارة عن اضطراب في الأحوال المناخية التي تختلف من منطقة إلى أخرى على الأرض. ويُعبّر التغير المناخي عن التغيرات التي تحدث في مناخ الأرض بشكل عام وليس بشكل خاص.
الإختلاف بين التغير المناخي والإحتباس الحراري
يختلف مصطلح التغير المناخي عن مصطلح الإحتباس الحراري الذي يُعتبر أحد أسباب حصول ما يُعرف بالتغير المناخي. إذ تنتشر ظاهرة الإحتباس الحراري في كل أماكن كوكب الأرض وهي تُمثل عملية ارتفاع وازدياد درجات الحرارة في العالم. لكنّ التغير المناخي يعني التبدلات التي تُصيب ما نُسميه بطبقات الغلاف الجوي (أي درجات الحرارة، المتساقطات، حالة الرياح...). وتُقاس هذه التبدلات على مدى مدة زمنية طويلة.
أسباب التغير المناخي
لا تُشبه مرحلة ما قبل الثورة الصناعية مرحلة ما بعد هذه الثورة الصناعية، التي أدت إلى تطور كبير في مجال الصناعة. هذا التطور ساهم في حرق المزيد من الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة والقيام بمختلف الأنشطة. وتعود ظاهرة التغير المناخي المُقلقة إلى الفورة في مستويات غازات الدفيئة التي تُعتبر مسؤولة عن ظاهرة الإحتباس الحراري.
ومع الإعتماد أكثر على الآلات زاد الطلب على الطاقة التي باتت تحتاج لإنتاجها إلى حرق كميات أكبر من الوقود الأحفوري الذي يُستخرج من المواد الاحفورية كالنفط، الفحم والغاز الطبيعي... وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ الغازات الدفيئة تتولد بشكل طبيعي، لكنّ الأنشطة البشرية المتزايدة والكبيرة تُساهم في زيادة نسب هذه الغازات وبروز أنواع أخرى من الغازات. كل ذلك يُؤدي إلى رفع حرارة الأرض بشكل غير مسبوق.
وترتفع مستويات غازات الدفيئة بسبب العديد من العوامل كقطع أشجار الغابات، النشاطات الزراعية، الصرف الصحي، حرق كميات كبيرة من الوقود الأحفوري، التلوث بمختلف أشكاله، النشاط الصناعي المُتزايد، ردم النفايات والأنشطة الزراعية المُلوثة...
تأثيرات التغير المناخي
تُعتبر مسألة تغير المناخ من المسائل المُعقدة التي تتضمن تأثيراتها العديد من الأبعاد كالأبعاد الإقتصادية، البيئية، التنموية، السياسية والإجتماعية... ورغم صعوبة توقع كل التأثيرات المُحتملة لمعضلة التغير المناخي ، إليك بعض تأثيرات هذه الظاهرة:
- تراجع كمية المحاصيل الزراعية، ما يؤثر على المخزون الغذائي ويجعله في خطر.
- ظهور مشكلة في التربة وتراجع خصوبتها.
- انتشار كبير للأمراض وللحشرات التي تنقل الأمراض.
- ازدياد مستويات البحار بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
- عملية ذوبان الكتل الجليدية بشكل أسرع.
- تزايد احتمال حدوث كوارث طبيعية عدة كالفياضانات، العواصف والجفاف...
- فقدان مخزون المياه التي تصلح للشرب.
- تغيرٌ ملحوظ في أنماط هطول الأمطار والثلوج.
التغير المناخي بحاجة إلى جهد عالمي
شكّل العام 1992 بداية اهتمام الدول وبشكل خاص الدول الكبرى بظاهرة التغير المُناخي. وبعد الكثير من المحطات في هذا المجال من العام 1992، وصلنا إلى إتفاق باريس للمناخ (المعروفة بـ كوب 21).إذ قامت 195 دولة من الدول الأعضاء ضمن مجموعة الامم المتحدة للتغير المناخي بتوقيع هذا الإتفاق.
وبما أنّ قضية تغير المناخ هي معضلة عالمية بامتياز، فإنّها تستدعي بالطبع مشاركة فعّالة لكل الدول وبشكل خاص الدول الصناعية الكُبرى المسؤولة الأولى عن هذه المشكلة. وفي ظل ازدحام الآراء تجاه هذا الموضوع وازدحام الأبحاث والدراسات التي تُطلقها الجمعيات أو الجهات المُختصة، يتمثل الحل الوحيد لهذه القضية في تطبيق كاملٍ وجدي لاتفاق باريس للمناخ. إذ يُقدم هذا الإتفاق نظرة شاملة مدعومة بالكثير من الحلول والأهداف المُحددة، مع ضرورة وقوف الدول المُتطورة في المقدمة عبر الإلتزام بالأهداف المُحددة لخفض الإنبعاثات، أي بين الـ 40% و70% في العام 2050. كما يجب إشراك الدول النامية في هذه الجهود المبذولة بقدر المستطاع بالطبع وعبر تقديم المساعدات اللازمة لها أيضًا.
ثم تُركز المرحلة الثانية من الإتفاق على تحقيق نوع من التوازن بين انبعاثات الغازات (الناتجة عن الأنشطة البشرية) وبين الغازات التي تقوم بامتصاصها الغابات والمحيطات... (العناصر الطبيعية). وتتحقق هذه الخطوة عبر الإستغناء تدريجيًا عن الوقود الأحفوري.
ومع انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ والتداعيات المُترتبة على هذا الإنسحاب، لا يمكن القيام بكل الإصلاحات المرجُوة، التوجه نحو إنتاج الطاقة البديلة عبر الموارد المُتجددة والحد من تدفق غاز ثاني أوكسيد الكاربون والغازات الأخرى... إلّا من خلال وجود توافق دولي إلى جانب رغبة فعلية في التخلّي عن المصالح الضيقة والشخصية لهذه الدول والمضي قدمًا في تحقيق هذه الأهداف. وتحتاج هذه الإصلاحات في حال بدأت تُطبق، إلى دعم سكان هذه الأرض للحد أيضًا من التغير المناخي وحماية البيئة.