لماذا نحلم؟

لماذا نحلم؟

لربما تعرف لماذا تنام، فالعلم أغلق الكتاب تقريباً حول هذا السّؤال، لكن سؤالٌ آخر حيّر البشريّة منذ بداية تأريخها، لماذا نحلم؟ فما هي الأحلام وما طبيعتها؟ لسوء الحظّ، لازال الجواب غامضاً في الوقت الرّاهن. ولكن بالرّغم من ذلك، تنوجد الكثير من النّظريات، العلميّة والمنطقيّة، مطروحةً من قِبل العُلماء وغيرهم من الباحثين المختصّين بموضوع النّوم، الأحلام والدّماغ. فلنلقي سوياًّ نظرةٌ عامّة على الموضوع ونغوص بتفاصيل هذه النّظريات المتِعة.

ما هو الحلم

الحلم يشمل أيّ نوعٍ من أنواع الصّور، الأفكار، والمشاعر التي يختبرها المرء أثناء نومه. يُمكن للأحلام أن تكون حيّةً للغاية، يَذكر فيها المرء تفاصيل أحداثٍ، لو لم تكن الأخيرة منطقيةً حتى. كما يمكنها أن تكون غامضةً وواسعة، يُستصعب تذكّرها جيداً لكنها تترك شعوراً يختلف من تجربةٍ إلى أخرى. فتتراوح من مركّزة ومفهومة، إلى غير واضحة ومربكة، ومن أكثرها فرحاً وبهجة، إلى أكثرها رعباً وهلعاً.

لماذا نحلم

ففي حين أنّ جميعنا نحلم (حتى لو لم يتذكر المرء حلمه فهو دائماً يحلم)، ما الذي يقوله العلم والمختصّون عند سؤالهم: لماذا نحلم؟ وما هو الغرض الذي تخدمه الأحلام حقاً ؟

لماذا نحلم إذاً

هنا أكثر أربعة نظريّات شيوعاً حول السّبب وراء الأحلام، ولكن يجدر بالذّكر أنّ النّظريات لا تُحصى بسبب عددها الكبير وهذا يعود للسّبب الأساسيّ، أنّه لا نعرف السّبب الحتميّ وراء الأحلام

النظريّة الأولى: الأحلام هي علاج

لماذا نحلم

في الكثير من الأحيان، تُجبرنا الأحلام على مواجهة مواقف صعبة وحرجة ومخيفة حتى، وتكون غالباً نتيجةً عن مشكلةٍ حقيقيّة نُواجهها في الحياة. فتسمح الأحلام للمرء بأن يواجه هذه المشاكل رغماً عن إرادته في أرض الأحلام، حيث تكون البيئة آمنةً ومحميّة. وعند إختبار هذه المشاكل في الأحلام، يقوم الدّماغ ببناء جسورٍ عصبيّة جديدة (المسؤولة عن الأفكار)، التي بدورها تسمح للمُختبر أن يواجه مُشكلته الحقيقيّة من منظارٍ فكريٍّ جديد وفي النهاية التّغلب عليها. كما يمكن للأحلام أن تُوصلنا إلى جذور المشكلة التي كنا نجهل أصلها، مما يُساعد بشكلٍ مباشر على السّيطرة على ما كان عسير.

النظريّة الثّانية: التّنبه وتوقّع الخطر

لماذا نحلم

إن كنت قد استيقظت يوماً تتصبّب من العرق بسبب حلمٍ مخيفٍ شعرت بأنه حقيقيّ للغاية، فأنت لست وحدك. السّيناريوهات التي تُقاتل أو يتمّ مطاردتُك فيها هي شائعةٌ للغاية، ولسببٍ وجيه. إتّضح أن اللّوزة الدّماغية (Amygdala)، المسؤولة عن ردّات الفعل القتاليّة أو ردّة فعل الهرب، تعمل بوتيرةٍ أسرع بأضعاف خلال النّوم (REM Phase) من فترة اليقظة. وتعمل بطريقةٍ حيث تُكرّر الأحداث في الأحلام التي تتهدّد حياتنا فيها. لذا يمكن للبشر أن يستخدموا الأحلام كتمرينٍ لحالات القتال أو الهرب وهذا ما قد يخلّص حياتهم، في الأيّام القديمة أكثر من الآن طبعاً.

النظريّة الثّالثة: تدريب المهارات

لماذا نحلم

سواء كنت مضغوطاً بسبب مسؤوليّةٍ حلُّها صعبٌ، أو خائفاً من مواجهةٍ قَبل خوضها، أو حتى حديثٍ تتجنّب أن تحكيه، تُعطيك الأحلام فرصةً للتّدريب على طريقة خوض تجربة هذه المعضلات. فالدّماغ يعي بأنّك تستخدمه للتّفكير في شيءٍ أكثر من الآخر، فيُحاول مساعدتك على التّخلص من هذه المشكلة من أجل أن يعود عمله مُنقسماً بإعتدال.

النظريّة الرّابعة: تنظيف الدّماغ وتنظيم الأفكار

لماذا نحلم

الحلم يسمح للعقل بأن يُعيد خلط الأفكار والذّكريات، فيُحافظ على الإتّصالات العصبيّة المُهمة وهي ما نتذكّره، ويتخلّص من تلك الإتّصالات العديمة الفائدة بالنّسبة إليه. بمعنى آخر، إنّه نظام إعادة بدئ، حيث يَفحص الدّماغ كلّ ما ورد في النّهار ويُقارنها بما يَعرفه، تمّ يترك ما يُفيده ويرمي القمامة في زاوية النّسيان، فيكون الحلم الآليّة المسؤولة عن هذا العمل.

ماذا تعني الأحلام

فكرة أنّ الأحلام مجرّد شظايا عشوائيّة من الذّاكرة والخيال بَدت للبشر غير مُرضية وقليلة الإحتمال.

الألوف من الحضارات المختلفة حول العالم منذ التّاريخ القديم حتى يومنا هذا، لها طريقتها الخاصّة لتفسير الأحلام، وغالباً ما تكون جُزءًا من أديانها أو على الأقلّ ثقافتها. نحاول في هذا المقال، البقاء عِلميّين قدرَ الإمكان من أجل عدم التّطفّل على مُعتقد أحد.

لماذا نحلم

عادةً ما يَعتمد تفسير الأحلام، من مُنطلق علم النّفس، على فكّ تشفيرٍ مُضَمّن في معلومة (الحلم)، بشكل رموز دوافع ومعتقدات. ويُستحسن أن يُستشار بطبيب نفسيّ أو عالم نفس متخصّص بتحليل الأحلام كونه عالَمٌ كبير. يَتّفِق مُعظم الباحثين على أنّ معاني الأحلام شخصيّة لأنّ "المعنى" هو أمرٌ شخصيّ. في ظلّ هذه الفرضيّة، لا يُفَسّر مضمون الحلم بشكلٍ موضوعي. لذا حتى لو كان اللّاوعي يُحاول أن يُوصل لنا رسالةٍ ما، تحليل هذه الأحلام حسب التّجارب الشّخصيّة هو ما سيكشِف شكل الهيكل الأساسي للقوى التّحفيزية التي تَقود حياتنا بشكلٍ إستراتيجيّ، وهنا يُمكن التّعلم من أحلامنا.

الكاتب: نزار زغيب
المزيد