فاجأت التطورات الأخيرة في العلاقة بين قطر والخليج العديد من المُتابعين والمراقبين، بسبب التصعيد الكبير والغير مسبوق في العلاقة بين قطر والخليج. إذ تُعتبر هذه الأزمة بحسب العديد من المُتابعين من الأزمات الأكثر خطورة التي عصفت بمجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه. ما أدّى إلى قطع جيران قطر السعودية، البحرين، الإمارات، مصر، اليمن بالإضافة إلى حكومة ليبيا المؤقتة والمالديف علاقاتها مع الدوحة.
ما الذي سبب مشاكل في العلاقات بين الخليج وقطر؟ ما المستجدات في هذا الموضوع؟ وماذا نترقب من مستقبل هذه العلاقة؟
الخلاف الخليجي القطري
إنّ الخلاف الخليجي القطري وخصوصًا مع السعودية ليس وليد هذه اللحظة، بل ترجع جذوره إلى أبعد من أحداث "الربيع العربي" ويصل ربما إلى الخلاف السائد والتاريخي بين التوجه السلفي وجماعة الإخوان المسلمين. وانفجرت هذه الأزمة بعد تصريحات لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد تؤكد أن عداء إيران لا يدل على حكمة. لتنفي لاحقًا وزارة الخارجية القطرية هذه التصريحات، مؤكدة تعرّض وكالة الأنباء الرسمية لعملية قرصنة.
وبعد إعطاء مهلة لقطر للرضوخ لعدد من المطالب، عمدت دول الخليج إلى إغلاق الحدود مع قطر، كما قامت مصر بإغلاق موانئها ومجالها الجوي في وجه كافة وسائل النقل القطرية. لتقوم بعدها الحكومة اليمنية وحكومة ليبيا (الموجودة في شرق ليبيا) بقطع العلاقات مع الدوحة.
الأسباب المُعلنة للأزمة
علامات استفهام عدة تُطرح حول الأسباب الحقيقية التي أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وبالتالي إلى عزل قطر إلى حد ما. مع العلم بأنّه منذ التسعينات بدأت قطر في خلق كيان أو خط سياسي خاص بها، وصولًا إلى موقفها من الربيع العربي بالإضافة إلى أمور أخرى كالحرب الدائرة في اليمن وغيرها من المواقف التي تقاطعت مع مواقف جيرانها الخليجيين.
صحيفة الغارديان: خلفية أزمة قطر صراعات عائلية؟
إليك الأسباب الرئيسية المُعلنة وراء أزمة قطر والخليج بحسب التصريحات الرسمية:
- إنتقاد أمير قطر العداء الأميركي تجاه إيران.
- احتضان قطر للعديد من الجماعات المُتشددة والطائفية التي تهدف إلى ضرب استقرار المنطقة كالإخوان المسلمين، داعش والقاعدة.
- الترويج الدائم لأفكار ومخططات الجماعات المتشددة عبر وسائلها الإعلامية الخاصة (قناة الجزيرة).
- حماية العديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المُصنفة كجماعة إرهابية من قبل السعودية والإمارات.
- دعم جماعة الحوثي في اليمن.
- اتهام قطر بدعم نشاطات بعض الجماعات "الإرهابية" المدعومة من إيران في محافظة القطيف (منطقة ذات غالبية شيعية)... وفي البحرين أيضًا.
- التدخل في شؤون مصر، السعودية والبحرين وزعزعة أمنها واستقرارها بشتّى الطرق.
- اتهام خليفة حفتر (القائد العسكري المدعوم من مصر والإمارات) قطر بدعم "الجماعات الإرهابية" على حد تعبيره.
موقف قطر
أمّا بالنسبة لموقف قطر، فأعلن المعنيون عن استغرابهم من قرار قطع العلاقات، مُعتبرين أنّ كل ما تم تداوله في وسائل الإعلام هو عبارة عن أكاذيب وادعاءات ممنهجة، بهدف التأثير على قرار قطر الوطني، سيادتها والتدخل في سياستها. وتجدر الإشارة إلى أنّه تم إعطاء قطر مهلة أسبوع عند بداية الأزمة للتأكد من التزامها تنفيذ إتفاق الرياض.
مصير علاقة قطر والخليج
يختلف الخلاف الحالي ( أزمة قطر والخليج ) عن الخلافات السابقة، كالخلاف الدبلوماسي الذي حصل في عام 2014. فاليوم قطر مُطالًبَة بتقديم تنازلات أكبر... في ظل عدم رضى الولايات المتحدة والرياض عن السياسة القطرية المُتبعة.
انطلاقًا مما سبق، لا يحظى الخلاف بين قطر والخليج بإجماع واضح حول السيناريوهات المُحتملة لهذه الأزمة المفاجئة. لذلك من الملاحظ توتر العلاقات القطرية – الخليجية المستمر في ظل محاولة قطر احتواء الأزمة بالإضافة إلى احتمال تفتيش قطر عن وسيط عربي معين لحل الأزمة مع الدول الخليجية. أمّا على المدى الطويل فيستبعد العديد من المتابعين أن تتحول الأزمة إلى مواجهة مُباشرة وسيقتصر الموضوع فقط على تجميد العلاقات مع قطر.
من الجهة الأخرى، من الصعب جدًا على قطر أن تتحمل العُزلة الخليجية المفروضة عليها بسبب التحديات التي فُرضت عليها الآن (سياسيًا واقتصاديًا...). ولكن في الوقت نفسه سيصعب على قطر الإستجابة التامة لكل المطالب الخليجية، نظرًا لتأثير هذا الرضوخ على موقفها، خطها السياسي ومصالحها. مع العلم بأنّ احتمال تلبية بعض هذه الطالب قد يبقى قائمًا في ظل تخبّط المنطقة العربية.
إذاً، تمرد الدوحة ليس أمرًا واردًا جدًا الآن ولكن قد يؤدي الضغط على قطر إلى قيام تحالفات جديدة مع تركيا بشكل أقوى من جهة، والإنفتاح أكثر على إيران ربما (في بعض الأمور) من الجهة الأخرى. مع ضرورة الإشارة إلى صعوبة أن يتم هذا التحالف، الذي سيُقلق بالطبع الدول الخليجية وخصوصًا السعودية.