بريكسيت: ما الجديد بعد الإنفصال؟

بريكسيت: ما الجديد بعد الإنفصال؟

يشهد العالم تغيُّرات إقتصاديّة وسياسيّة هائلة ولعلّ أبرزها تفعيل عمليّة خروج المملكة المتّحدة من الإتّحاد الأوروبي بناءً على طلب رئيسة الوزراء تيريزا ماي (Theresa May) الذي لحق الإستفتاء الشّعبي الذي اختارت فيه الأكثريّة الخروج من الإتّحاد بنسبة قاربت ٥٢% من مجموع الإقتراعات. شارك في التّصويت أكثر من ٧٢% من المواطنين ما سمح بإطلاق عمليّة معقّدة تمتد على فترة سنتَين على الأقل و تقف في وجهها عوائق كثيرة.

إستعملت ماي المادّة ٥٠ من إتّفاقيّة لشبونة لتصبح أوّل شخص سياسيّ يستخدم هذا الحق في تاريخ الإتّحاد الأوروبي. أدّت هذه التّطوّرات في عام ٢٠١٦ إلى إستقالة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون (David Cameron) الذي كان قد دعا لإجراء هذا الإقتراع داعماً حملة البقاء في المجموعة الأوروبيّة.

تاريخ البريكسيت

هذه العمليّة فريدة من نوعها لأنّها المرّة الأولى التي تُحاول دولة الخروج من الإتّحاد الأوروبي بطريقة إراديّة إذ لم يُسجّل التّاريخ إلاّ حادثتَين مشابهتَين أوّلهما إستقلال الجزائر عن فرنسا في عام ١٩٦٢ تبعتها غرينلاند (Greenland) سنة ١٩٨٥ حين أصبحت أرضاً دانماركيّة تحت حكمٍ ذاتيٍ. بدأت بعض الأحزاب السّياسيّة بالضّغط نحو الخروج منذ إنضمام المملكة المتّحدة إلى السّوق الأوروبيّة المشتركة في ١٩٧٣ وهي المجموعة التي تطوّرت لاحقاً لتصبح الإتّحاد الأوروبي. وقع الإستفتاء الأوّل سنة ١٩٧٥ ووافق حينها أكثر من ٦٧% من الشّعب على البقاء في الإتّحاد لكن، بعد التّطوّرات الإقتصاديّة والسّياسيّة في العالم، تغيَّرت الأحوال في ٢٠١٦.

بريكسيت

المادّة ٥٠ من قانون الإتّحاد الأوروبي وسير العمليّة

بريكسيت

تُحدّد هذه المادّة الخطوات التي على الفريقَين المعنيَّين (المملكة المتّحدة والإتّحاد الأوروبي في هذه الحالة) إتّباعها لتحقيق رغبة الدّولة التي تريد الخروج من هذا الإتّحاد بطريقة إرادية. تبدأ هذه العمليّة رسميّاً عندما تَستعمل حكومة هذا البلد حقّها في الخروج من خلال المادّة ٥٠ لكن يتبع هذا الحدث إجراءات طويلة ومعقّدة. واجه إتّفاق البريكسيت عقبة منذ انطلاقه حين رفضت المحكمة العليا البريطانيّة الموافقة على طلب رئيسة الوزراء وإنتهى الأمر بتعديل مشروع القانون على صعيدَين: يُعطي التّعديل الأوّل الحق لمجلس النوّاب البريطاني في الرّفض أو الموافقة على مسودّة الإتّفاق الأخيرة ويسمح التّعديل الثّاني للمواطنين الأوروبيّين بالبقاء في المملكة المتّحدة حتّى لو تمّت عمليّة الخروج.

بريكسيت

تُعطى الدّولة في المرحلة الثّانية مدّة سنتين تبدأ مع إستعمالها المادّة ٥٠ للتّوصّل إلى إتّفاق شامل مع الإتّحاد الأوروبي يضمن أفضل نتيجة للطّرفين على المستويات السّياسيّة، الإقتصاديّة، الإجتماعيّة والتّجاريّة. تستمر فترة التّفاوض حتّى شهر آذار من عام ٢٠١٩ لكن إذا لم يَنتج عنها إتّفاق جدّي فعلى المملكة المتّحدة وكل أعضاء الإتّحاد الموافقة على تمديدها. عدم الموافقة على التّمديد تعني عودة بريطانيا إلى منظّمة التّجارة العالميّة (World Trade Organization) ما يفرض تحدّيات جديدة إذ إن المملكة عضواً في تلك المنظّمة لكن من خلال الإتّحاد الأوروبي إذاً عليها التّوصّل إلى إتّفاق جديد وفرديّ يربط الدّولة مباشرةً بهيئة التّجارة.

ما بعد البريكسيت

بريكسيت

تتشارك أحزاب سياسيّة أخرى في عدّة دول أوروبيّة مخاوف المملكة المتّحدة وتتفهّم الأسباب التي دفعت بها إلى الخروج من الإتّحاد. كما أن عدد لا بأس به من هذه الأحزاب يتمتّع بقاعدة شعبيّة مهمّة ما يزيد من حظوظه في الوصول إلى مراكز السّلطة في تلك البلاد. قد يدعم نجاح عمليّة البريكسيت هذه الأحزاب للسّعي نحو إستقلال من الإتّحاد الأوروبي وتدل الإحصاءات أن أكثر من نصف النّاخبين في إيطاليا وفرنسا يرغبون بإجراء إستفتاء حول عُضويّة هاتان الدّولتان في المجموعة الأوروبيّة.

الكاتب: نزار زغيب
المزيد