شبه جزيرة القرم والنّزاع الرّوسي-الأوكراني: كافة أسباب الصّراع التّاريخي

شبه جزيرة القرم والنّزاع الرّوسي-الأوكراني: كافة أسباب الصّراع التّاريخي

تابع العالم سنة ٢٠١٤ النّزاع السّياسي والعسكري بين روسيا وأوكرانيا الذي نتج عن تفاقم التّوتر التّاريخي بين البلدَين. أساس هذه المشكلة هو إرادة كل من الطّرفَين السّيطرة على شبه جزيرة القرم (Crimea) التي تقع على السّاحل الشّمالي للبحر الأسود في أوروبا الشّرقيّة. ما زالت حتّى اليوم العلاقة بين هاتين الحكومتين مضطربة إذ كانت أوكرانيا جزءًا من الإتّحاد السّوفيتي وتسعى بشكلٍ دائمٍ نحو الإنفصال الكليّ عنه محافظةً على العلاقات التّجاريّة بهدف دعم إقتصادها المتزعزع.

هذا الصّراع تحديداً ليس بجديد بل بدأ منذ حوالي ٢٥٠ سنة مع ضم الإمبراطوريّة الرّوسيّة لهذا الجزء من الأراضي الأوكرانيّة لكن من الممكن أنّنا شهدنا نهايته في السّنوات القليلة الماضية.

تاريخ المنطقة

النّزاع الرّوسي-الأوكراني

في عام ١٧٨٣، تمكّنت الإمبراطوريّة الرّوسيّة من طرد الحكم العثماني من القرم وضمّ هذه الأخيرة رسميّاً إلى أراضيها. بقيَ الوضع على حاله لسنوات عديدة لكن شهد الإقليم تغيّرات جغرافيّة وسياسيّة كثيرة خاصّةً خلال الحرب الأهليّة الرّوسيّة. عادت المنطقة إلى الواجهة بعد الحرب العالميّة الأولى إذ تمكّنت الحكومة المحليّة من فرض حكمٍ ذاتيٍ على كل أراضي القرم لكن بقيت جزءًا من الإتّحاد السّوفيتي. أمّا بعد الحرب العالميّة الثّانيّة، تَجرّد الإقليم من الحكم الذّاتي ووضعه القضاء الأعلى الرّوسي سنة ١٩٥٤ تحت سيطرة الإتّحاد الأوكراني. قرب إنتهاء الحرب الباردة، أبطلت القيادة الشّيوعيّة آخر قرار متعلّق بالقرم لكن لحقه بعد فترة قصيرة إنحلال الإتّحاد السّوفيتي ما أسفر عن إستقلال معظم بلاد أوروبا الشّرقيّة وأبرزها أوكرانيا التي سمحت بإستمرار الحكم الذّاتي للإقليم بشرط الخضوع للسّلطة الأوكرانيّة.

النّزاع الرّوسي-الأوكراني

الصّراع المحاضر فعليّاً في عام ٢٠٠٨ حين اتّهم وزير الخارجيّة الأوكراني الحكومة الرّوسيّة بتوزيع جوازات سفر لسكّان القرم. في السّنة اللّاحقة، تصاعدت هذه الإتّهامات وزادت حدّة التّوتر بين البلدين ونتج عنها مظاهرات ضد الدّولة الأوكرانيّة شارك بها معظم سكّان الإقليم وهم من أصولٍ روسيّة.

التّدخّل العسكري الرّوسي

النّزاع الرّوسي-الأوكراني

أجرت السّلطة المحليّة في القرم إستفتاءً شعبيّاً لمعرفة عدد السّكان الرّاغبين في الإنضمام إلى روسيا الإتّحادية وكانت النّتيجة واضحة: العودة إلى روسيا! تدهور الوضع في أوكرانيا بعد عزل الرّئيس وإرتفع عدد المظاهرات المطالبة بالإنفصال. زاد التّدخل الرّوسي العسكري الطّين بلّة، فقد سيطرت وحدات النّخبة على مواقع إستراتيجيّة وأماكن مهمّة داخل الإقليم الذي يُعتبر جزءًا من الأراضي الأوكرانية. وقعت من بعد ذلك مواجهات مسلّحة بين الجيش الأوكراني والجماعات الإنفصاليّة المدعومة من روسيا وكانت المفاجأة الكبرى إنشقاق أميرال أوكراني رفيع المستوى ومعه أكثر من نصف الكتيبة الموجودة داخل القرم.

إنهزم الجيش الأوكراني وإنسحب ما تبقى منه وأتى تصريح الحكومة الأوكرانيّة محمّلاً الوحدات العسكريّة الرّوسيّة ذنب هذا "الإحتلال".

ردّات الفعل الإقليميّة والعالميّة

النّزاع الرّوسي-الأوكراني

أدانت جمعيّات حقوق الإنسان العالميّة التّدخّل الرّوسي واعتبرته معظم الدّول إنتهاكاً للأراضي الأوكرانيّة كما أعلنت منظّمة الأمن و التّعاون الأوروبي عن فشلها للتّوصل إلى حل مع الحكومة الرّوسيّة التي لم تسمح للمراقبين الدّوليّين بالدّخول إلى الإقليم المُتنازع عليه. علاوةً على ذلك، اتّهمت الأمم المتّحدة روسيا بخرق القانون والمعاهدات الدّوليّة ما دفع الولايات الأمريكيّة المتّحدة والإتّحاد الأوروبي إلى إنزال عقوبات إقتصاديّة على الدّولة الرّوسيّة التي لم تستجيب إلى أي تهديد حتّى اليوم.

لاحق الإعلام الغربي هذه القصّة ونشرت بعض الصّحف في عام ٢٠١٥ خبراً تسرد فيه عمليّة إنتقال كميّة كبيرة من نخبة الجنود الرّوس من القرم إلى سوريا للمحاربة إلى جانب نظام بشّار الأسد ما زاد من حدّة التّوتر العالمي.

الكاتب: نزار زغيب
المزيد