أكد خبراء التربية إلى أن الأبوة المفرطة تعد ظاهرة تُخلّف آثارا سلبية على تطور شخصية الطفل وتؤثر على تقديره لذاته، خاصة عندما يحين الوقت لمواجهة العالم الخارجي.
ويقول الخبراء إنه من الطبيعي جدا أن يحب كل إنسان أطفاله ويحرص على مساعدتهم؛ ولكنّ الأبوة المفرطة هي نوع من السلوكيات غير الصحية التي يجب تجنبها، أو التوقف عنها في حال كان الآباء يمارسونها.
وليس للإفراط في الأبوة آثار سلبية على الأطفال فقط، فالآباء المفرطون في أبوتهم أكثر عرضة لمستويات عالية من القلق والتوتر والندم، الذي بدوره له آثار سلبية على أطفالهم الذين قد يتحملون قلق والديهم ويجعلون الأمر مرتبطًا بهم.
وتتسبب الأبوة المفرطة في تحويل الأطفال إلى نماذج من الكمال يمنع المساس بها أو الاقتراب منها. وهذا يؤدي إلى حرمانهم من تجربة تحمّل المسؤولية والتعرف إلى أخطائهم وعيوبهم، كما أن هذا الأسلوب يسرق منهم القدرة على التصرف باستقلالية وتحمل المسؤولية.
وتتمثل العناية المبالغ فيها بالأطفال في مراقبتهم والتواجد بالقرب منهم بشكل متواصل، وحثّهم باستمرار للاستجابة لانتظارات محددة وبلوغ الكمال في كل ما يقومون به. كما يصبح الأطفال بهذا السلوك مجرد تماثيل يسعى الأبوان لتشكيلها كما يريدون، عبر الحرص على إشراكهم في كل الأنشطة خارج المدرسة من أجل منحهم الأسبقية للنجاح في المستقبل.
ومن الأمثلة على ذلك تسجيلهم في معهد أو ناد لتعلم العزف على آلة موسيقية أو ممارسة الرياضة، أو أخذ دروس تقوية للحصول على نتائج ممتازة. كما يتم إجبار الأطفال على الالتزام ببرنامج يومي صارم، حتى يكونوا في مستوى تطلعات الأبوين.
ويراقب الأبوان حياة الأطفال ويهتمان بهم بشكل مستمر، من أجل دفعهم للتفوق والتميز في المستقبل، ومنحهم مستوى العيش الذي لم يحصلا هما عليه في الماضي؛ كما يمنحان أهمية قصوى للأنشطة التكميلية خارج المدرسة، وإضافة إلى ذلك فهما يحرصان على حماية الأطفال بشكل مبالغ فيه، ويتدخلان لحل كل مشكل يعترضهم.
ويطلق خبراء علم النفس على هذا النوع من الآباء صفة “الهليكوبتر” وعلى الأمهات صفة “النمر” للإشارة إلى الأب والأم اللذين يسبحان باستمرار في فلك الطفل، ويراقبان حياته ويحاولان التحكم بكل كبيرة وصغيرة.
ويشير خبراء علم النفس إلى أن هذا النوع من التعامل مع الأبناء يؤثر بشكل ملموس على تطورهم الاجتماعي والذهني. وقد ينتج عنه؛ تضخم الأنا لدى الطفل، بسبب الإطراء المستمر من الوالدين عند نجاحه في تحقيق إنجاز معين.
كما أنّ الأطفال المعرضين للأبوة المفرطة لا تتاح لهم فرصة اختبار هذه التفاعلات الاجتماعية؛ حيث إن هذا النوع من السلوك يجعل الأبناء نادرا ما يخوضون الصراعات، لأن الوالدين يمنعونهم من ذلك، فيسارعون لحل كل المشاكل بأنفسهم. بهذه الطريقة أيضا لا تتاح للأطفال فرصة للعب بشكل مستقل مع أقرانهم.