تروّج الدراسة التي نشرت مؤخرا لبرامج الذكاء الاصطناعي وتستعيض للحديث عنها بمفهوم الروبوت، وتشير إلى تفضيل الموظفين للروبوت وأن ثقتهم به أكثر من ثقتهم المدير البشري، ويثير ذلك الكثير من الاهتمام حول سر الثقة بالروبوت على حساب المدير، فهل تحمل هذه الدراسة الكثير من الإجحاف بحق المدير البشري للترويج للروبوت؟
فلا يتساوى كل المديرون في الأداء ولا القيمة الفعلية التي يساهمون بها في العمل، فمنهم من يمثل كارثة للعمل ومنهم من يرفعه لمستويات عالية لا يمكن الانتقاص منها.
والدراسة التي أجرتها شركة “أوراكل” مع شركة "فيوتشر وورك بلاس" ، تفيد بأن الموظفين يثقون في الروبوت أكثر من المدير البشري. ووجدت الدراسة أن الذكاء الاصطناعي أعاد تشكيل العلاقة بين البشر والمديرين في أماكن العمل، وأنه يعمل اليوم على إعادة تشكيل الدور المطلوب من فرق الموارد البشرية والمديرين لاستقطاب المواهب والمحافظة عليها وتنميتها.
ورغم أن هؤلاء في الدراسة لم يتعاملوا على الأرجح مع الروبوت إلا أن المقصود هو برامج الذكاء الاصطناعية التي يروج لها على أنها تتلافى أي خلل في أداء المدير وكذلك في اتخاذ القرارات، فالدراسة تظهر في الإمارات مثلا، ثقة ممن استطلعت آراءهم وبأن 78% منهم يثقون أكبر بالروبوتات، مقارنة بمديريهم. فما هي عيوب المدير المحتملة؟ لسان حال بعض الموظفين الحانقين على مديرهم بأن الأمور تتوقف على مزاج المدير، فإن كان في حالة سيئة فالأمر سينعكس عليهم سلبا وكذلك على شؤون العمل، فضلا عن محاباة أشخاص وموظفين على حساب غيرهم لأسباب مختلفة سواء كان ذلك في الترقية أو الإجازات.
وهناك حالات كثيرة تخسر فيها الشركات أصحاب المواهب والكفاءات العالية بسبب مدير يبخس موظفيه حقوقهم وينكل ببعضهم. وبالفعل قال لي أحد المديرين إنه يرى أن وظيفته تفرض عليه تحويل حياة موظفيه إلى جحيم، ولم أتمكن من معرفة سر تلك الفلسفة الغريبة في الإدارة، وبدلا من التشجيع وتقديم الحوافز يقوم ذلك المدير ومن هم من صنفه بالتعنت وتثبيط حماس الموظفين، وشاهدت ذات مرة إشادة مدير بأناقة وحسن هندام أحد الموظفين في مناسبة هامة للشركة فيما قام مدير آخر بالسخرية من لباس ذات الموظف حين تبادل معه أطراف الحديث!
لكن الصورة ليست قاتمة تماما في شركات تتبع منهجية ثابتة بقياس الأداء دون التأثر بالحالات الشاذة والحوادث الفردية. بالطبع هناك حجم الشركة ودور المدير فهي الذي يختلف بين الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الكبيرة ويفترض أن يكون الأمر أفضل في الشركات الكبيرة في الإشراف على الإدارة الوسطى من خلال قسم الموارد البشرية وغيره. أما الشركات الصغيرة والمتوسطة والتي قد يتفاوت فيها أكثر دور المدير وأداءه، فلا بد من إعادة نظرها إلى هذا الجانب الحيوي. فهناك تبعات خطيرة على خسارة أصحاب الكفاءات بسبب تعنت المدير أو استبداده في تعامله مع الموظفين. وللأسف يختلف إشراف الإدارة العليا على حال الموظفين وعلاقتهم مع مديريهم بحسب الحالة الاقتصادية أحيانا، أي أن الأمر لا يتم بسوية منتظمة ولا يتم التحري عن حال الموظفين الجدد وتعاطي مدراءهم معهم طوال الوقت تحسبا لوجود صراعات أو علاقات متوترة بينهم بصورة قد تهدد العمل.
وفي كل الأحوال هناك حيز يتكامل فيه الذكاء الاصطناعي والروبوت مع المدير البشري. وعندما سئل المستطلعة آراؤهم، في تلك الدراسة عما يستطيع الروبوت أن يفعله بصورة أفضل من المدير، توزعت النتائج، فقال 42% منهم إن الروبوت أفضل في اتباع خطط العمل بدقة، بينما قال 34% إن المدير أفضل في حل المشكلات، و32% وجدوا أن الروبوت أفضل في توفير معلومات غير متحيزة.
كما تبرز الدراسة جانبا آخر من خلال التكنولوجيا التي تهتم بأنشطة المعاملات، حيث يحتاج القادة والمديرون إلى تقديم المزيد من القيمة الاستراتيجية للإدارة، واستخدام المزيد من مهاراتهم في التواصل مع الأفراد. وبمعنى آخر، إذا أراد المديرون التغلب على تحدي الذكاء الاصطناعي، فيجب عليهم احتضانه. وتستند تلك النتائج من الدراسة الاستقصائية التي أجرتها الشركتان في الفترة من 2 يوليو/تموز إلى 9 أغسطس/آب 2019. وقد أجريت عبر الإنترنت وتم إرسالها إلى عشر دول مختلفة وبست لغات، وشارك فيها الموظفون الدائمون.