انخفاض أسواق المال العالمية والقلق والتوتر الكبيرين اللذين خيما على معظم الأسواق في العالم اليوم هي ردت فعل طبيعية نتيجة الإعلان عن فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، الرجل الذي عرف بموقفه الرئيسي وسياساته الاقتصادية الجارفه التي تهدف إلى تمزيق اتفاقيات التجارة العالمية وفرض رسوم على الواردات وطرد مهاجرين من الولايات المتحدة.
وقد أكد محللون ومشتغلون بالقطاع المالي أن رجال المصارف يخشون أن يعمد ترامب إلى تعطيل التجارة العالمية والإضرار بالعلاقات الجيوسياسية وهو ما ينعكس سلبيا على الأسواق.
وقالت المستشارة المالية كارن شو بترو "هذ هي نوعية الأمور التي يجري التفكير فيها بمكاتب كبار المديرين، فالقلق الكبير بشأن ترامب سيطر على فكر الناس".
وكان صندوق النقد الدولي قد أشار إلى هذا "الخطر" الذي يمثله ترامب، إذ قال كبير الخبراء الاقتصاديين في الصندوق موريس أوبستفيلد إن انتخاب ترامب سيشكل "تغييرا جذريا في الموقف التقليدي للولايات المتحدة وخصوصا حيال السياسة التجارية".
ومع ذلك، فإن جانبا كبيرا من انخفاض أسواق المال يرجع إلى ما لم يعلنه ترامب، أو بعبارة أخرى إن ما يخيف أسواق المال هو غموض مواقف ترامب بشأن العديد من المسائل الاقتصادية.
يقول المحلل المالي مايكل برفس إن ترامب "بنى حملته على ثلاثة أعمدة هي الهجرة والحواجز التجارية وإنعاش القطاع الصناعي، وفي الحقيقة لم يقدم خطة واضحة، كما أنه متحدث متقلب". وأضاف "لا نعلم إن كان سيمضي في هذا الاتجاه".
يتعلق الغموض أيضا برغبة ترامب في تخفيف اللوائح التنظيمية التي تحكم عمل المؤسسات المالية والاقتصادية وأسواق المال.
وفي هذا السياق، يتوقع المسؤول في بنك الاستثمار "بي أم أو" جاك أبلن أن تهبط الأسهم الأميركية بنسبة 10% على مدى جلسات التداول العشر المقبلة.
وأشار أبلن إلى أن أسواق المال خارج الولايات المتحدة لا سيما في الاقتصادات الناهضة هي التي ستدفع الثمن الأكبر.
وقال كبير المستشارين الاقتصاديين لدى شركة "أليانز" محمد العريان "إذا استمرت الحركة الجارية في السوق أو زادت حدتها، فسنشهد عمليات بيع قسرية (بسبب الخسائر)".
وكذلك تخشى الصين على وجه الخصوص من تداعيات فوز ترامب الذي دعا إلى فرض رسوم جمركية على السلع المستوردة من الصين بنسبة 45%، في إطار خططه لتشجيع الأميركيين على شراء المنتجات الأميركية.
وتعهد ترامب أيضا بالتشدد مع البلدان التي تنتهك الاتفاقيات التجارية، علما أن هناك العديد من النزاعات التجارية التي تفتح من حين لآخر بين واشنطن وبكين أمام لجان منظمة التجارة العالمية.
وقد لمحت الصين إلى عدم ارتياحها لترامب قبل الانتخابات حين قال وزير المالية الصيني لو جيوي إنه يخشى تصاعد "النزعة الشعبوية المناهضة للعولمة واستخدام سياسيين خطابا معينا في حملتهم بهدف محاولة كسب أصوات".
ورغم كل ما تقدم، فإن هناك نظرة اقتصادية إيجابية لترامب لا يمكن إغفالها، ترتبط تحديدا برؤيته الداعمة للأعمال وخطته لتخفيض الضرائب على الشركات، الرؤية التي يعزوها بعضهم إلى كونه من رجال الأعمال البارزين في القطاع العقاري بالولايات المتحدة.
وقد تعهد ترامب بتخفيض الضرائب على الشركات من 35% إلى 15%، ودعم الصناعة المحلية لتوليد فرص العمل، وتحقيق معدلات نمو بين 3.5% و4% (مقارنة مع توقعات بمستوى 1.8% لعام 2016).
وفضلا عن ذلك، يقول المحللون في مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" إن فوز ترامب "قد لا يأتي بالتغييرات الجذرية التي نخشاها".
ويؤكدون أنه "سيضطر ربما بعد أن يصبح في البيت الأبيض إلى تلطيف خطابه، لا سيما في مجال التجارة وسياسته على صعيد الميزانية" بسبب الكونغرس.